للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق:١/ ٦٥] ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلم طلق حفصة، وفعله الصحابة، ولو كان الطلاق محظوراً لما أقدموا عليه.

ونوقشت هذه الأدلة، أما الآية الأولى فهي لبيان إباحة الطلاق قبل الدخول وقبل تسمية المهر، وأما الآية الثانية فبيان وقت الطلاق المفضل شرعاً وهو وقت ابتداء أو استقبال العدة. وأما طلاق حفصة وطلاق بعض الصحابة، فلم يثبت أنه كان لغير حاجة أو سبب يدعو إليه. والظاهر هو أنه لحاجة؛ لأن الطلاق لغير حاجة كفر بنعمة الزواج، وإيذاء محض بالزوجة وأهلها وأولادها.

ويرى الجمهور غير الحنفية منهم الكمال بن الهمام وابن عابدين (١): أن الأصل في الطلاق هو الحظر والمنع وخلاف الأولى، والأولى أن يكون لحاجة كسوء سلوك الزوجة أوإيذائها أحداً، لما فيه من قطع الألفة، وهدم سنة الاجتماع، والتعريض للفساد، ولقوله تعالى: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً} [النساء:٣٤/ ٤] وللحديث السابق: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» وحديث: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة» (٢) ففيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً؛ لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل إليها أبداً، وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مشيراً إلى خطورته وشدته، كما قال الشوكاني (٣).

وهذا هو الراجح لاتفاقه مع مقاصد الشريعة، ولمخاطر الطلاق المتعددة، قال ابن عابدين: الأصل في الطلاق الحظر، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه،


(١) الدسوقي: ٣٦١/ ٢، المهذب: ٧٨/ ٢، كشاف القناع: ٢٦١/ ٥، المغني: ٩٧/ ٧ وما بعدها.
(٢) وفي حديث آخر رواه الطبراني عن أبي موسى: «لا تطلقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله لايحب الذواقين ولا الذواقات» لكنه ضعيف.
(٣) نيل الأوطار: ٢٢١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>