للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنبع الاختلاف: هو تفاوت الأفكار والعقول البشرية في فهم النصوص واستنباط الأحكام، وإدراك أسرار التشريع وعلل الأحكام الشرعية.

وذلك كله لاينافي وحدة المصدر التشريعي، وعدم وجود تناقض في الشرع نفسه، لأن الشرع لاتناقض فيه، وإنما الاختلاف بسبب عجز الإنسان، لكن يجوز العمل بأحد الآراء المختلفة، رفعاً للحرج عن الناس الذين لايجدون سبيلاً آخر بعد انقطاع الوحي إلا الأخذ بما غلب على ظن هذا المجتهد أو ذاك، مما فهمه من الأدلة الظنية، والظن مثار اختلاف الأفهام، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» (١).

أما الأدلة القطعية التي تدل على الحكم يقيناً وقطعاً بسبب قطعية ثبوتها وقطعيةدلالتها المستنبطة منها، كالقرآن والسنة المتواترة أو المشهورة (٢)، فلا مجال أصلاً لاختلاف الفقهاء في الأحكام المستفادة منها.

وأهم أسباب اختلاف الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الظنية هو مايأتي (٣):


(١) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة، ورواه بقية أصحاب الكتب الستة.
(٢) السنة عند الحنفية أنواع ثلاثة: متواترة ومشهورة وآحاد، والمتواترة: هي مارواها عن الرسول جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، وذلك في العصور الثلاثة الأولى: عصر الصحابة والتابعين. والمشهورة: هي ما كان من الأخبار آحادياً في الأصل ثم انتشر في القرن الثاني بعد الصحابة. وسنة الآحاد: هي مارواها عن الرسول واحد أو اثنان فصاعداً دون المشهور والمتواتر من العصو ر الثلاثة الأولى.
(٣) راجع بداية المجتهد لابن رشد الحفيد: ٥/ ١ ومابعدها، حجة الله البالغة للدهلوي:
(١١٥/ ١) وما بعدها، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، الباب الثالث والسادس، الباب الخامس والعشرون، والسادس والعشرون، الموافقات للشاطبي: (٢١١/ ٤ - ٢١٤)، رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية، أسباب اختلاف الفقهاء للشيخ علي الخفيف، مقارنة المذاهب في الفقه للشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد علي السايس، مالا يجوز فيه الخلاف للشيخ عبد الجليل عيسى، الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم لابن السيد البطليوسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>