للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلف الفقهاء على رأيين في الاعتماد على القافة (١):

فرأى الحنفية: أن الأصل ألا يحكم لأحد المتنازعين في الولد، إلا أن يكون هناك فراش (٢)، لقوله عليه الصلاة والسلام: «الولد للفراش» فإن عدم الفراش أو اشتركا في الفراش، كان الولد بينهما، ولا يعمل بقول القائف، بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما جميعاً.

ورأي الجمهور وهم (مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والأوزاعي): أنه يحكم بالقيافة، بدليل قول عائشة: «إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دخل عليَّ مسروراً، تبرُق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مُجَزِّزاً (٣) نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» (٤) ففيه دليل على ثبوت العمل بالقافة.

وأثبت عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس بن مالك الحكم بالقافة، فكان عمر يليط (٥) أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ـ أي بمن ادعاهم في الإسلام ـ فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا قائفاً، فنظر إليه، فقال القائف: لقد اشتركا فيها، فضربه عمر بالدِّرة، ثم دعا المرأة، فقال: أخبريني بخبرك، فقالت: كان هذا لأحد الرجلين، يأتي في إبل لأهلها، فلا يفارقها حتى يُظن، ونظن أنه قد استمر


(١) بداية المجتهد: ٣٥٢/ ٢ وما بعدها، المغني: ٤٨٣/ ٧، نيل الأوطار: ٢٨٢/ ٦ وما بعدها.
(٢) اختلف في معنى الفراش، فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة، وقد يعبر به عن حالة الافتراش، وقيل: إنه اسم للزوج، وفي القاموس: إن الفراش زوجة الرجل.
(٣) تبرق أسارير وجهه: أطلق على ما يظهر على وجه من سره، وسمي هذ الرجل القائف مجززاً لأنه جزّ نواصي قوم، وهو مُجَزز المدلجي.
(٤) رواه الجماعة عن عائشة (نيل الأوطار: ٢٨٢/ ٦).
(٥) ألاط فلاناً بفلان: ألحقه به.

<<  <  ج: ص:  >  >>