للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف (١)، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخَرَات (٢)، وجعل حَبْل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة (٣)، فلم يَزَل واقفاً حتى غَرَبت الشمسه (٤)، وذهبت الصُّفْرة قليلاً حتى غاب القُرْص، وأردف أسامة خلفه (٥)، ودفَع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد شَنَق للقصواء الزِّمام، حتى إن رأسها ليُصيب مَوْرِك رَحْله (٦)، ويقول بيده اليمنى:

أيها الناس، السكينةَ السكينةَ، كلما أتى حَبْلاً من الحبال (٧)، أرخى لها قليلاً حتى تَصْعَد.

حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبِّح بينهما شيئاً (٨).

ثم اضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر (٩)، وصلى الفجر حتى تبيَّن له الصبح بأذان وإقامة.


(١) أي مكان الوقوف بعرفة مقابل الصخرات أمام الجبل.
(٢) يستحب أن يقف عند الصخرات المفترشات في أسفل جبل الرحمة: وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات.
(٣) فيه استحباب استقبال الكعبة في الوقوف. وحبل المشاة: أي مجتمعهم.
(٤) يندب الوقوف إلى ما بعد المغرب، وهو مذهب الجمهور، وقال مالك: لا يصح الوقوف في النهار منفرداً، بل لا بد من الليل وحده.
(٥) فيه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة.
(٦) شنق: ضم وضيق. ومورك الرحل: هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب. وفي هذا استحباب الرفق في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة.
(٧) أي ألزموا السكينة، وهي الرفق والطمأنينة. ففيه أن السكينة في الدفع من عرفات سنة، فإذا وجد فرجة أسرع، كما في الحديث الآخر. والحبل: التل اللطيف من الرمل الضخم.
(٨) فيه استحباب جمع التأخير بين المغرب والعشاء، وهو عند أبي حنيفة بسبب النسك فيجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم، وعند الشافعية بسبب السفر فلا يجوز إلا لمسافر مسافة مرحلتين. ومعنى «لم يسبح» لم يصل بينهما نافلة، والنافلة تسمى سبحة لاشتمالها على التسبيح.
(٩) فيه أن المبيت بالمزدلفة نسكٌ واجب، والسنة أن يبقى بالمزدلفة حتى يصلي بها الصبح إلا الضعفة فالسنة لهم الدفع قبل الفجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>