للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتضييق على الناس في أموالهم، وذلك لا يختص بالأطعمة. ولو سعَّر الإمام، عُزِّر مخالفه، بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخالفة، وصح البيع، إذ لم يعهد الحجر على الشخص في ملكه أن يبيع بثمن معين.

وأجاز ابن الرفعة الشافعي وغيره التسعير في وقت الغلاء.

واستدل ما نعو التسعير بحديث أنس قال: «غلا السعر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت، فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل، ولا يطلبني أحد بمَظْلَمة، ظلمتها إياه في دم، ولا مال» (١) فالنبي لم يسعر، ولو جاز، لأجابهم إليه، وعلل بكونه مظلمة، والظلم حرام، ولأنه ماله، فلم يجز منعه من بيعه بما تراضى عليه المتبايعان، كما اتفق الجماعة عليه، ولأن في التسعير إضراراً بالناس، إذا زاد تبعه أصحاب المتاع، وإذا نقص أضر بأصحاب المتاع.

وأجاز المالكية والحنفية (٢) للإمام تسعير الحاجيات، دفعاً للضرر عن الناس، بأن تعدى أصحاب السلعة عن القيمة المعتادة تعدياً فاحشاً، فلا بأس حينئذ بالتسعير بمشورة أهل الرأي والبصر، رعاية لمصالح الناس والمنع من إغلاء السعر عليهم، والإفساد عليهم. ومستندهم في ذلك القواعد الفقهية: (لا ضرر ولا ضرار) و (الضرر يزال) و (يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام).

ولا يجبر الناس على البيع، وإنما يمنعون من البيع بغير السعر الذي يحدده


(١) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، وصححه الترمذي. وعن أبي سعيد مثله (نيل الأوطار: ٢١٩/ ٥).
(٢) الدر المختار: ١٨٣/ ٥، تبيين الحقائق: ٢٨/ ٦، البدائع: ١٢٩/ ٥، تكملة الفتح: ١٢٧/ ٨، اللباب: ١٦٧/ ٤، المنتقى على الموطأ: ١٧/ ٥ - ١٩، القوانين الفقهية: ص ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>