للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمبتاع، ولا يمنع البائع ربحاً، ولا يسوغ له منه ما يضر بالناس.

ويجب أن يختص التسعير في قول ابن حبيب المالكي بالمكيل والموزون مأكولاً كان أو غير مأكول، دون غيره من المبيعات التي لا تكال ولا توزن؛ لأن المكيل والموزون من المثليات يرجع فيه إلى المثل، وغير ذلك من القيميات يرجع فيه إلى القيمة، وتختلف أغراض الناس في الأعيان، فلا يمكن حمل الناس فيه على سعر واحد.

وليس في التسعير مخالفة لنص الحديث السابق، وإنما هو تطبيق للنص نفسه، وفهم اجتهادي لمناطه وحكمته في الواقع، وتفسير له بالمعنى المناسب أو المصلحة المتبادرة إلى الفهم من ذات النص، لا من خارجه (١). فامتناع الرسول من التسعير لا لكونه تسعيراً، وإنما لكون علة التسعير وهي ظلم التجار أنفسهم غير متوفرة، فهم كانوا يبيعون بسعر المثل، وإنما كان ارتفاع السعر ليس من قبل التجار، وإنما بسبب قانون العرض والطلب، فقد قل عرض البضاعة، فارتفع السعر. ولا تسعير إذا لم تدع الحاجة إليه، بأن كانت السلع متوفرة في الأسواق، وتباع بسعر المثل دون ظلم أو جشع (٢).


(١) وكذلك أجاز المالكية تلقي الركبان إذا كثرت السلع واعتدلت الأسعار، وعلم البائع بسعر السوق، وباع بسعر المثل، أو أزيد منه. ويظل النهي عن تلقي الركبان قائماً معمولاً به إذا تضرر أهل السوق عامة ولم تتوفر السلع لهم، أو إذا جهل البائع نفسه بالأسعار، فتجب حينئذ رعاية المصلحة العامة، وحماية البائع نفسه.
(٢) أصول الفقه للمؤلف: ٨١٥/ ٢، ط دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>