للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد به التفرق بالأبدان، وهو التفرق حقيقة. وهو الذي يكون لذكره في الحديث فائدة، لأنه معلوم لكل واحد أن المتعاقدين بالخيار إذا لم يقع بينهما عقد بالقول.

وهذا هو خيار المجلس الثابت في أنواع البيع، لما روى الشيخان أنه صلّى الله عليه وسلم قال: «البيِّعان بالخيار، ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر» (١) أي اختر اللزوم. قال ابن رشد: وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد، وأصحها. وقد أثبت ابن حزم في المحلى تواتره.

وردوا على المالكية والحنفية بأن اللفظ الوارد في هذا الحديث لا يحتمل ما قالوه (أي التفرق بالأقوال) إذ ليس بين المتبايعين تفرق بلفظ ولا اعتقاد، إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع، بعد الاختلاف فيهما. وتأويلهم يبطل فائدة الحديث، لأنه من المعلوم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه، وإتمامه، أو تركه، ومعنى قول عمر السابق: «البيع صفقة أو خيار» هو أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار، وبيع لم يشترط فيه الخيار، وقد سماه صفقة لقصر مدة الخيار فيه.

إلا أنه أخذ على هذا الرأي كونه يهدر أو يزعزع القوة الملزمة للعقد، وهو مبدأ خطير من أهم المبادئ القانونية (٢). لكنني رددت على هذا الاتهام في بحث نظرية الفسخ السابقة.


(١) سبل السلام: ٣ ص ٣٣ وما بعدها. وهذا هو بيع الخيار عند الشافعي: وهو أن يقول أحد المتعاقدين للآخر بعدما تم الإيجاب والقبول وقبل التفرق: اختر: إن شئت فدع، وإن شئت فخذ. فإذا أخذ لزم البيع وقام الخيار مقام التفرق بالأبدان.
(٢) راجع مصادر الحق للسنهوري: ٢ ص ٣٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>