للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبعد القائل بالنسخ عن فهم سر الآية فيما ندبت إليه من هذه المكرمة الجليلة. وهي إسعاف من ذكر من المال الموروث، والنفس الأبية تنفر من أن تأخذ المال الجزل، وذو الرحم حاضر محروم، ولا يسعف ولا يساعد. فالآية بينة بنفسها، واضحة في معناها وضوح الشمس في الظهيرة، لا تنسخ أو تقوم الساعة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٩]]

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً في الآية وجوه:

الأول- أنها أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريّهم الضعاف بعد وفاتهم.

الثاني: أنها أمر لمن حضر المريض من العوّاد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم. فلا يتركوه أن يضرّ بهم بصرف المال عنهم:

الثالث: أنها أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين، متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم.

هل يجوّزون حرمانهم؟

الرابع: أنها أمر للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية. كما

ثبت في الصحيحين «١»

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال: يا رسول الله! إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة. أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال:

فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث. قال: الثلث. والثلث كثير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


(١)
أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٣٧- باب رثي النبيّ صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة، حديث ٥٠ ونصه: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي. فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال. ولا يرثني إلا ابنة.
أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال «لا» فقلت: بالشطر؟ فقال «لا» ثم قال «الثلث. والثلث كبير (أو كثير) إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها. حتى ما تجعل في في امرأتك»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>