القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
وَقُلْ لِعِبادِي أي الذين آمنوا معك. إرادة تقريب أصحابهم إلى الصواب، كأمر البعث يَقُولُوا في النصيحة، الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي فلا يخاشنوا أحدا ولا يغلطوا بالقول إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ أي يفسد ويهيج الشر والمراء:
لتقع بينهم المضارّة إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً وقوله تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ خطاب لهؤلاء المشركين من قريش. أي إن يشأ يرحمكم فيتوب عليكم برحمته وتنيبوا إليه. وإن يشأ يعذبكم بأن يخذلكم عن الإيمان، فتموتوا على الشرك فيعذبكم عليه يوم القيامة.
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أي موكولا إليك أمرهم. تقسرهم على الإيمان. وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا، تبلغهم رسالاتنا.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي فلا يخفى عليه شيء فيهما. فهو أعلم بهؤلاء ضرورة. وفيه إشارة إلى رحمته تعالى ببعثة الرسل. لحاجة الخلق إليها.
وإلى مشيئته فيمن يصطفي لرسالته، ويختار لنبوّته. ويعلمه أهلا لها. وقوله تعالى:
وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ أي لاقتضاء علمه وحكمته ذلك. فإنه أعلم بمن في السموات والأرض وأحوالهم. فآتى موسى التوراة وكلمه. وعيسى الإنجيل وداود الزبور. فضلهم بما آتاهم على غيرهم. وقد آتى محمدا القرآن ففضله به على الأنبياء كافة. وقوله تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً أي يشتمل على الحكمة وفصل الخطاب، ففضلناه به. قيل: الآية ردّ عليهم إذ استبعدوا أن يكون صلى الله عليه وسلم نبيا، دون من يعدّونه عظيما بينهم في الغنى والجاه، وذكر من في السموات لإبطال قولهم:
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ [الفرقان: ٢١] وذكر من في الأرض لرد قولهم: لَوْلا