أمرهم بالتوحيد، على الاستهزاء والتهكم بصلواته، والإشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقليّ، وإنما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه. وكان شعيب كثير الصلاة، فلذلك جمعوا وخصوا الصلاة بالذكر. وقرئ:(أصلاتك) بالإفراد- قاله القاضي- أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا من نقص ونحوه إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ
أي الموصوف بالحلم والرشد في قومك يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك، وما شهرت به.
كما قال قوم صالح عليه السلام: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا [هود: ٦٢] ، أو قالوا ذلك تهكما به، والمراد أنه على الضد من ذلك. قيل: وهذا أرجح، لأنه أنسب بتهكمهم قبله والأدق هو الأول لمماثلته لما خوطب به صالح، وتعقيبه بمثل ما عقّب به، وهو قوله تعالى:
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي أخبروني إن كنت على برهان يقيني مما أتاني ربي من العمل والنبوة وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً أي مالا حلالا مكتسبا بلا بخس وتطفيف، أو حكمة ونبوّة، وكمالا وتكميلا، بالاستقامة على التوحيد. هل يصح لي أن أخون الوحي، وأترك النهي عن الشرك والظلم، والإصلاح بالتزكية والتحلية. وهو اعتذار عما أنكروه عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الآباء. وحذف جواب (أرأيتم) لما دل عليه في مثله، كما مرّ في نبأ نوح وصالح عليهما السلام، وعلى خصوصيته هنا من قوله: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ أي وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه، لأستبدّ به دونكم، فلو كان صوابا لآثرته، ولم أعرض عنه، فضلا عن أن أنهى عنه- أفاده القاضي-.
وفي (التاج) : يقال: خالفه إلى الشيء: عصاه إليه، أو قصده بعد ما نهاه عنه، وهو من ذلك.