كان في قلبه شر مما أظهر. لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة، منهم ومن بلدهم، إلى نفسه وإلى بلدته وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ أي طوائف متفرقة، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى و (أبابيل) جمع لا واحد له، على ما حكاه أبو عبيدة والفراء. وزعم أبو جعفر الرؤاسي- وكان ثقة- أنه سمع واحدها إبّالة بكسر الهمزة وتشديد الموحدة. وهي حزمة الحطب. استعير لجماعة الطير. وحكى الكسائي عن بعض النحويين في مفردها (أبول) وعن آخرين (أبيل) سماعا كما أثره ابن جرير. والتنكير في (طيرا) إما للتحقير، فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر. أو للتفخيم، كأنه يقول وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل. أفاده الرازي.
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي من طين متحجر. وروى ابن وهب عن ابن زيد أن المعنيّ بالسجيل السماء الدنيا لأن اسمها سجيل.
قال ابن جرير: وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل ولا لغة. وأسماء الأشياء لا تدرك إلا من لغة سائرة أو خبر من الله تعالى ذكره فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ قال ابن جرير: كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرقت أجزاؤه. شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع.
قال الشهاب: ولم يذكر الروث لهجتنه. فجاء على الآداب القرآنية. وفيه إظهار تشويه حالهم.
وقال أبو مسلم:(العصف) التين، لقوله: ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ..
[الرحمن: ١٢] ، لأنه تعصف به الريح عند الذرّ، فتفرقه عن الحب وهو إذا كان مأكولا فقد بطل ولا رجعة له ولا منعة فيه. انتهى.
ومن الوجوه في الآية أن يكون المعنى: كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه، والتقدير كعصف مأكول الحب. كما يقال فلان حسن أي حسن الوجه. فأجرى (مأكول) على (العصف) من أجل أنه أكل حبه. لأن هذا المعنى معلوم. ومنها أيضا أن معنى (مأكول) مما يؤكل، يعني تأكله الدواب. يقال لكل ما يصلح للأكل (هو مأكول) والمعنى جعلهم كتبن تأكله الدواب في التفرق والتفتت والهلاك. أشار له الرازي.
[تنبيهات:]
الأول: كان السبب الذي من أجله حلت عقوبة الله تعالى لأصحاب الفيل،