أقول: لا ريب في بلاغة ما قرره ونفاسته، لولا تكلفه حمل الإخفاء على ما ذكره، مما هو غير ظاهر فيه، وليس له نظائر في التنزيل الكريم. فمجازيته حينئذ من قبل المعمى. وفي الوجوه الأول إبقاؤه على حقيقته بلا تكلف، وشموله لها- غير بعيد. لأن في كل منها ما يؤيده، كما بيناه. غاية الأمر أن ما قرره وجه منها بديع.
وأما كونه المراد لا غير، فدونه خرط القتاد- والله أعلم بأسرار كتابه-.
وَلَوْ رُدُّوا أي عن موقفهم ذلك إلى الدنيا كما تمنوه، وغاب عنهم ما شاهدوه من الأهوال لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والشرك وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في وعدهم بالإيمان، أو ديدنهم الكذب في أحوالهم.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٢٩]]
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)
وَقالُوا عطف على (لعادوا) أو استئناف، إِنْ هِيَ أي ما الحياة، فالضمير لما بعده، إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي: ليست الحياة التي يتوهم فيها البعث، والتي يتوهم فيه الرد إلا، حياتنا الأولى وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ أي: بعد مفارقتنا هذه الحياة.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٣٠]]
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠)
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قال الجلال: أي عرضوا عليه. وقال ابن كثير:
أي وقفوا بين يديه. قالَ أَلَيْسَ هذا أي المعاد بِالْحَقِّ تقريعا لهم، وردّا لما يتوهمون عند الردّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا أي: إنه لحق، وليس بباطل، كما كنا نظن.
أكدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال يقينهم بحقيّته، وإيذانا بصدور ذلك عنهم بالرغبة والنشاط، طمعا في نفعه. فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ٣١]]
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١)
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ أي: ببلوغ الآخرة وما يتصل بها، أو هو