للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشرائع التي تعبد الله عز وجل بها عباده، في الأوقات المختلفة، مختلفة.

وكل شريعة منها كاملة في وقت التعبّد بها. فكمل الله عز وجل الشرائع في اليوم الذي ذكره- وهو يوم عرفة- ولم يوجب ذلك، أنّ الدين كان ناقصا في وقت من الأوقات.

وللإمام القفّال نحو ذلك، نقله عنه الرازيّ واختاره. قال: إنّ الدين ما كان ناقصا البتة، بل كان أبدا كاملا. يعني: كانت الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت كافية في ذلك الوقت، إلّا أنه تعالى كان عالما في أول وقت المبعث بأن ما هو كامل في هذا اليوم ليس بكامل في الغد ولا صلاح فيه. فلا جرم كان ينسخ بعد الثبوت. وكان يزيد بعد العدم. وأما في آخر زمان المبعث فأنزل الله شريعة كاملة، وحكم ببقائها إلى يوم القيامة. فالشرع أبدا كان كاملا. إلّا أن الأول كمال إلى زمان مخصوص. والثاني كمال إلى يوم القيامة. فلأجل هذا قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي يعني بإكمال الدين والشريعة. لأنه لا نعمة أتمّ من نعمة الإسلام. أو بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين. وهدم منار الجاهلية ومناسكهم، وأن لم يحج معكم مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. أو بإنجاز ما وعدهم بقوله: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ. فكان من تمام النعمة فتح مكة وما ذكرنا.

وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً يعني: اخترته لكم من بين الأديان، وآذنتكم بأنه هو الدين المرضيّ وحده. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:

٨٥] ، أو معناه: الانقياد لأمري فيما شرعت لكم من الفرائض والأحكام والحدود ومعالم الدين الذي أكملته لكم. ومعلوم أن الإسلام لم يزل مرضيّا للحق تعالى منذ القدم، إلّا أن المعنيّ به، في الآية، الصفة التي هو اليوم بها. وهي نهاية الكمال والبلوغ به أقصى درجاته. أي: فالزموه ولا تفارقوه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ.

[آل عمران: ١٩] ..!

روى البغويّ بسنده عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال جبريل: قال الله عز وجلّ: هذا دين ارتضيته لنفسي ولن يصلحه إلّا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه.

[فوائد:]

الأولى: روى الإمام أحمد والشيخان «١» وغيرهم عن طارق بن شهاب قال: جاء


(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٥- سورة المائدة، ٢- باب قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، حديث ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>