اعتذروا عن أصنامهم بنفيها مؤكدا بالقسم بالاسم الجامع، مع نسبة الربوبية إليه تعالى، لا إلى ما سواه، مبالغة في التبرؤ من الإشراك. فكان هذا العذر ذنبا آخر مؤكدا لافترائهم بالإشراك الذي نفوه. كما قال تعالى:
انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أي: بنفي الإشراك عنها أمام علام الغيوب، بحضرة من لا ينحصر من الشهود وَضَلَّ أي: وكيف ضاع وغاب عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي: من الشركاء، فلم تغن عنهم شيئا، ففقدوا ما رجوا من شفاعتها ونصرتها لهم، كقوله تعالى: ثم قيل لهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا [الأعراف: ٣٧] . ف (ما) موصولة، كناية عن الشركاء. وإيقاع الافتراء عليها، مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها من الإلهية، والشركة والشفاعة ونحوها- للمبالغة في أمرها، كأنها نفس المفتري.
[تنبيهات:]
الأول- ما ذكرناه من أنه عبر عن جوابهم بالفتنة هو الأظهر. فالمراد: الجواب بما هو كذب، لأنه سبب الفتنة، فتجوّز بها إطلاقا للمسبب على السبب، أو هو استعارة. وقيل: الفتنة بمعنى العذر، لأنها التخليص من الغش لغة، والعذر يخلّص من الذنب، فاستعيرت له. وقيل: بمعنى الكفر، لأن الفتنة ما تفتتن به ويعجبك، وهم كانوا معجبين بكفرهم مفتخرين به، ويظنونه شيئا، فلم تكن عاقبته إلا الخسران، والتبرؤ منه، وليس هذا على تقدير مضاف، بل جعل عاقبة الشيء عينه، ادّعاء.
قال الزجاج: تأويل هذه الآية حسن في اللغة، لا يعرفه إلا من عرف معاني الكلام، وتصرف العرب في ذلك. وذلك أن الله تعالى بيّن كون المشركين مفتونين بشركهم، متهالكين على حبه، فأعلم في هذه الآية، أنه لم يكن افتتانهم بشركهم، وإقامتهم عليه، إلا أن تبرؤوا منه وتباعدوا عنه، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين.
ومثاله: أن ترى إنسانا يحب غاويا مذموم الطريقة، فإذا وقع في محنة بسببه تبرأ منه، فيقال له: ما كانت محبتك لفلان إلا أن انتفيت منه.
قال الخفاجيّ- بعد نقله ما ذكر-: وليس هذا من قبيل عتابك السيف، ولا من تقدير المضاف، وإن صح فاحفظه، فإنه من البدائع الروائع.