الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ شروع في تفصيل ما ذكر من الآيات البينات وبيان أحكامها. أي كل من زنى من الرجال والنساء، فأقيموا عليه هذا الحد. وهو أن يجلد، أي يضرب على جلده مائة جلدة، عقوبة لما صنع وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ أي رقة ورحمة في طاعته فيما أمركم به، من إقامة الحد عليهما، على ما ألزمكم به إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي تصدقون بالله ربكم وباليوم الآخر، وأنكم مبعوثون لحشر القيامة وللثواب والعقاب. فإن من كان بذلك مصدقا، فإنه لا يخالف الله في أمره ونهيه، خوف عقابه على معاصيه وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي وليحضر جلدهما طائفة من أهل الإيمان بالله ورسوله، قال ابن جرير: العرب تسمي الواحد فما زاد طائفة.
قال ابن تيمية عليه الرحمة: فأمر تعالى بعقوبتهما بحضور طائفة من المؤمنين. وذلك بشهادته على نفسه أو شهادة المؤمنين عليه. لأن المعصية إذا ظهرت كانت عقوبتها ظاهرة. كما
في الأثر:(من أذنب سرا فليتب سرا. ومن أذنب علانية فليتب علانية)
وليس من الستر الذي يحبه الله، كما
في الحديث (إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها. فإذا أعلنت ولم تنكر، ضرت العامة)
فإذا أعلنت أعلنت عقوبتها بحسب العدل الممكن. ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة. كما روي عن الحسن وغيره، لأنه لما أعلن استحق العقوبة. وأدناها أن يذم عليها لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته. ولو لم يذكر إلا بما فيه لاغتر به الناس. فإذا ذكر انكف وانكف غيره عن ذلك وعن صحبته. قال الحسن: أترغبون عن ذكر الفاجر؟ اذكروا بما فيه كي يحذره الناس. و (الفجور) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح، يدل السامع له على فجور قلب قائله. ولهذا استحق الهجرة، إذا أعلن ببدعة أو معصية، أو فجور أو تهتك أو مخالطة لمن هذا حاله. بهذا لا يبالي بطعن الناس عليه. فإن هجره نوع تعزير له. فإذا أعلن السيئات، أعلن هجره، وإذا أسر أسرّ هجره، إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات وهجرة السيئات، كقوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: ٥] ، وقوله: وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا [المزمل: ١٠] ، وقوله: