وقال القاشانيّ: كانوا أعداء، لأن عبادة أهل الدنيا لسادتهم وخدمتهم إياهم، لا تكون إلا لغرض نفسانيّ. وكذا استعباد الموالي لخدمهم. فإذا ارتفعت الأغراض، وزالت العلل والأسباب، كانوا لهم أعداء، وأنكروا عبادتهم.، يقولون: ما خدمتمونا، ولكن خدمتم أنفسكم. كما قيل في تفسير قوله: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [الزخرف: ٦٧] . انتهى.
وقيل: الضمير في كانُوا في الموضعين، للعابدين، لئلا يلزم التفكيك.
وفيه نظر: لأنه خلاف المتبادر من السياق، إذ هو لبيان حال الآلهة معهم، لا عكسه، ولأن كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم. وتسميته كفرا، خلاف الظاهر أيضا. وقد أوضح ذلك آية وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: ٨١- ٨٢] . والقرآن يفسر بعضه بعضا.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ أي: بادهوه بالجحود أول ما سمعوه، من غير إجالة فكر، ولا إعمال روية. واللام في لِلْحَقِّ لام الأجل متعلقة ب قالَ. وقيل: بمعنى الباء، متعلقة ب كَفَرُوا، وعدّي الكفر باللام، حملا على نقيضه، وهو الإيمان، فإنه يعدى بها نحو أَنُؤْمِنُ لَكَ [الشعراء: ١١١] .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: لا تقدرون أن تدفعوا عني سوءا، إن أصابني به. و (أم) - على ما قالوا- منقطعة مقدرة ب (بل) الإضرابية وهمزة الاستفهام، المتجوز به عن الإنكار والتعجيب. ووجه كون الافتراء أشنع من السحر، حتى أضرب عنه، أن الكذب خصوصا على الله متفق على قبحه، حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر، فإنه، وإن قبح، فليس بهذه المرتبة، حتى تكاد تعد معرفته من السمات المرغوبة.