للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحاكم: هذه الآية تدلّ على أنّ من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد:

اتّق الله! فيقول: عليك نفسك..

قال الزمخشري: ومنه ردّ قول الواعظ.

وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا، قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ، النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحج: ٧٢] .

ولما أتمّ تعالى الإخبار عن هذا الفريق من الناس الضالّ، أتبعه بقسيمه المهتدي. ليبعث العباد على تجنّب صفات الفريق الأول، والتخلق بنعوت الثاني فقال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٠٧]]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي: يبيعها ببذلها في طاعة الله ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي: طلب رضاه وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ حيث أرشدهم لما فيه رضاه، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، مع كفرهم به، وتقصيرهم في أمره.

[لطيفة:]

قال بعضهم: كان مقتضى المقابلة للفريق الأول أن يوصف هذا الفريق بالعمل الصالح مع عدم الدعوى والتّبجّح بالقول، أو مع مطابقة قوله لعمله، وموافقة لسانه لما في جنانه! والآية تضمنت هذا الوصف وإن لم تنطق به. فإنّ من يبيع نفسه لله، لا يبغي ثمنا لها غير مرضاته، لا يتحرّى إلّا العمل الصالح وقول الحقّ والإخلاص في القلب فلا يتكلم بلسانين، ولا يقابل الناس بوجهين، ولا يؤثر على ما عند الله عرض الحياة الدنيا ... وهذا هو المؤمن الذي يعتد القرآن بإيمانه ...

وقد أخرج الحارث بن أبي أسامة في (مسنده) ، وابن أبي حاتم ورزين عن سعيد بن المسيّب قال: أقبل صهيب مهاجرا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش! لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأيم الله! لا تصلون إليّ حتى أرمي كلّ سهم معي في كنانتي ثمّ أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم. وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا: نعم! فلما قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ربح

<<  <  ج: ص:  >  >>