للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها بوجه من الوجوه كما تزعمون. بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلا. ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلى بها عقوبة. كما سيأتي بيانه. فهذا الجواب المجمل في معنى ما قيل، ردّا على أسلافهم من قوله تعالى: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، أي إنما سبب خيرهم وشرهم، أو سبب إصابة السيئة التي هي ذنوبهم، عند الله تعالى لا عند غيره. حتى يسندوها إليه ويطيّروا به فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ يعني المنافقين لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي قولا. والجملة اعتراضية مسوقة لتعييرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجب من كمال غباوتهم. إذ لو فقهوا شيئا لعلموا مما يوعظون به، أن الله هو القابض الباسط. وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل والإحسان. والبلية بطريق العقوبة على ذنوب العباد.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٧٩]]

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أي: نعمة فَمِنَ اللَّهِ أي: فمن نعمته وتفضله ابتداء وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي: بلية فَمِنْ نَفْسِكَ أي من شؤمها بسبب اقترافها المعاصي الموجبة لها. وإن كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى، نازلة من عنده عقوبة، كقوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: ٣٠] .

روى ابن عساكر عن البراء رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم. وما يغفر الله أكثر» .

روى الترمذيّ «١» عن أبي موسى الأشعريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يصيب عبدا نكتة فما فوقها أو دونها، إلا بذنب. وما يعفو الله عنه أكثر. قال وقرأ:


(١) أخرجه الترمذي في: التفسير، ٤٢- سورة الشورى، ٢- حدثنا عبد بن حميد. ونصه: عن عبيد الله بن الوازع: حدثني شيخ من بني مرة قال: قدمت الكوفة فأخبرت عن بلال بن أبي بردة.
فقلت: إن فيه لمعتبرا. فأتيته وهو محبوس في داره التي كان قد بنى. قال وإذ كل شيء منه قد تغير، من العذاب والضرب. وإذا هو في قشاش (لقاطة) فقلت: الحمد لله، يا بلال! لقد رأيتك وأنت تمر بنا، تمسك بأنفك من غير غيار. وأنت في حالك هذا اليوم! فقال: ممن أنت؟ فقلت: من بني مرة بن عباد. فقال: ألا أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به؟
قلت: هات. قال: حدثني أبي، أبو بردة عن أبيه، أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ...

<<  <  ج: ص:  >  >>