وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ بني إسرائيل إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً وذلك أنه وجد قتيل فيهم، وكانوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله بذبح بقرة وأن يضربوه ببعضها ليحيى ويخبر بقاتله قالُوا استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الكلام، كأنه قيل: فماذا صنعوا؟ هل سارعوا إلى الامتثال أو لا. فقيل: قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً بضم الزاي وقلب الهمزة واوا، وقرئ بالهمزة مع الضم والسكون. أي أتجعلنا مكان هزو، أو أهل هزو، أو مهزوّا بنا، أو نفس الهزو، للمبالغة. وأشعر جوابهم ما ثبت من فظاظتهم، إذ فيه سوء الأدب على من ثبتت رسالته وقد علموها قالَ استئناف كما سبق أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ لأن الهزو في أثناء تبليغ أمر الله، سبحانه، جهل وسفه. نفى عنه، عليه السلام، ما توهموه من قبله على أبلغ وجه، وآكده، بإخراجه مخرج ما لا مكروه وراءه بالاستعاذة منه، استفظاعا له، واستعظاما لما أقدموا عليه من العظيمة التي شافهوه، عليه السلام، بها. والعوذ: اللّجأ من متخوّف لكاف يكفيه. والجهل: التقدم في الأمور بغير علم.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨)
قالُوا تماديا في الغلظة ادْعُ لَنا أي لأجلنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ ما حالها، وصفتها. وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيى.
فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن. الخارجة عما عليه البقر، وما وإن شاعت في طلب مفهوم الحقيقة، لكنها قد يطلب بها الصفة والحال. تقول: ما زيد؟ فيقال: طبيب أو عالم. قالَ أي موسى عليه السلام، بعد ما دعا ربه عز وجل بالبيان، وأتاه الوحي. إِنَّهُ تعالى يَقُولُ إِنَّها أي البقرة المأمور بذبحها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ أي لا مسنّة. وقد فرضت فروضا، فهي فارض، أي أسنّت. من الفرض بمعنى القطع. كأنها قطعت سنّها وبلغت آخرها. وَلا بِكْرٌ أي لا فتيّة صغيرة لم يلقّحها الفحل. عَوانٌ أي نصف بَيْنَ ذلِكَ أي سنّي الفارض والبكر فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ هذا أمر من جهة موسى عليه السلام متفرع على ما قبله من بيان صفة المأمور به. وفيه حثّ على الامتثال، وزجر عن المراجعة. ومع ذلك لم يفعلوا، بل سألوا بيان اللون بعد بيان السنّ بأن: