رابعها- أن يكون قرأ تفسيرا ظاهر، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي، وأن من فسر القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار، فهذا أيضا من الحجب العظيمة. ثم قال:
وسنبين معنى التفسير بالرأي، وأن ذلك لا يناقض قول عليّ رضي الله عنه: إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن. وأنه لو كان المعنى هو الظاهر المنقول، لما اختلف الناس فيه.
ثم ذكر بعد، عليه الرحمة، أن النهي عن التفسير بالرأي ينزل على أحد وجهين:
أحدهما- أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج على تصحيح غرضه، كالمحتج على تصحيح بدعة بتأويل يخترعه تلبيسا على خصمه، وكالجاهل المتقحّم يتأول ما شاء هواه.
وثانيهما- أن يتسارع إلى التأويل بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب التنزيل. انتهى.
ويأتي مثل البحث في كثير من المواضع التي فسرها بعض السلف بشيء، أو روى فيها ما أنكره غيره لما قام لديه. ولا ملام في معترك الأفهام- وبالله التوفيق-
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القمر (٥٤) : آية ٣]]
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)
وَكَذَّبُوا أي بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي ما زين لهم من دفع الحق مما وجدوا عليه آباءهم وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ أي كل أمر لا بد أن يصير إلى غاية يستقر عليها. تعريض بأن أمر الرسول لا بد أن يستقر إلى غاية، هي الظهور والنصرة وأمر مكذبيه إلى الخذلان والشقاوة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤ الى ٥]
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ أي عن القرون الخالية، والحقائق الكونية، مما يستحيل أن يأتي به أميّ غيره صلوات الله عليه ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ أي مرتدع عما هم مقيمون عليه من التكذيب والغفلة واللهو حِكْمَةٌ بالِغَةٌ أي بلغت غايتها من