ولا تنافي بين هذه الأقوال، لأن كلّا منها تفسير للفظ العام بعض أفراده. وما يصدق عليه إشارة إلى تناوله لذلك، لا أن أحدها هو المراد دون غيره، فذلك ما لا يتوهم. وقد كثر مثل ذلك في تفاسير السلف لكثير من الآي، وكله مما لا اختلاف فيه- كما بيّنّاه مرارا-.
الرابع- في (الإكليل) قال قوم معنى يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ يرفع الله المؤمنين منكم العلماء درجات على غيرهم، فلذلك أمر بالتفسّح من أجلهم، ففيه دليل على رفع العلماء في المجالس، والتفسّح لهم عن المجالس الرفيعة، انتهى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً أي تصدقوا قبل مناجاته، أي مسارته في بعض شأنكم. ذلِكَ أي التقديم. خَيْرٌ لَكُمْ أي لأنفسكم، لما فيه من مضاعفة الأجر والثواب، والقيام بحق الإخاء، بالعود على ذوي بالمسكنة بالمواساة والإغناء. وَأَطْهَرُ أي لأنفسكم من رزيلة البخل والشح، ومن حب المال وإيثاره الذي قد يكون من شعار المنافقين، وكأن الأمر بالتصديق المذكور، نزل ليتميز المؤمن من المنافق، فإن المؤمن تسخو نفسه بالإيمان كيفما كان، والثاني يغصّ به، ولو في أضرّ الأوقات. ومعظم أوامر السورة هو التصدق، حثّا للباخلين، وسوقا للمؤمنين، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أي ما تتصدقون به أمام مناجاتكم الرسول صلى الله عليه وسلم. فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن لم يجده، إذ لم يحرجه ولم يضيّق عليه، رحمة منه.