للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجاهد. قال الشعبيّ (بعد أن قيل له: هل في المال حق سوى الزكاة؟) قال: نعم.

أما سمعت قوله عزّ وجلّ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى ... الآية [البقرة:

١٧٧] ، واستدلوا بقوله عزّ وجلّ: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] . وبقوله تعالى: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ [المنافقون: ١٠] . وزعموا أن ذلك غير منسوخ بآية الزكاة بل هو داخل في حق المسلم على المسلم. ومعناه أنه يجب على الموسر، مهما وجد محتاجا، أن يزيل حاجته فضلا عن مال الزكاة. وقسم يقتصرون على أداء الوجوب فلا يزيدون عليه ولا ينقصون منه. وهي أقل الرتب. وقد اقتصر جميع العوام عليه. لبخلهم بالمال وميلهم إليه، وضعف حبهم للآخرة. قال الله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ [محمد: ٣٧] . يحفكم أي: يستقص عليكم. فكم بين عبد اشترى منه ماله ونفسه بأن له الجنة، وبين عبد لا يستقصي عليه لبخله. فهذا أحد معاني أمر الله سبحانه عباده ببذل الأموال. المعنى الثاني التطهير من صفة البخل فإنه من المهلكات.

قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه» .

وقال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩] . وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود بذل المال. فحب الشيء لا ينقطع إلا بقهر النفس على مفارقته حتى يصير اعتيادا. والزكاة، بهذا المعنى، طهرة. أي تطهر صاحبها عن خبث البخل المهلك. وإنما طهارته بقدر بذله وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه لله تعالى. المعنى الثالث شكر النعمة. فإن لله عزّ وجلّ على عبده نعمة في نفسه وفي ماله. فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن. والمالية شكر لنعمة المال، وما أخسّ من ينظر إلى الفقير، وقد ضيّق عليه الرزق، وأحوج إليه، ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال وإحواج غيره إليه.

[فصل]

وللغزاليّ رحمه الله أيضا بحث في المنّ والأذى المتقدم ذكرهما. يجدر ذكره هنا، لما فيه من الفوائد لطالب الآخرة.

قال رحمه الله: الوظيفة الخامسة (يعني من وظائف مريد طريق الآخرة بصدقته) أن لا يفسد صدقته بالمنّ والأذى، قال الله تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [التغابن: ١٦] . واختلفوا في حقيقة المنّ والأذى. فقيل: المنّ أن يذكرها. والأذى أن يظهرها. وقال: سفيان: من منّ فسدت صدقته. فقيل له: كيف المنّ؟ فقال: أن يذكره ويتحدث به. وقيل: المنّ أن يستخدمه بالعطاء. والأذى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>