وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ أي لتقف على ما وفينا لهم من وعد النصر إياهم في الدنيا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ أي لمكان الطول. مع أن في نبئهم ما يشاكل نبأ المذكورين. والشيء يعتبر بشكله وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بأمره. وهذا رد لمقترحهم وتعنتهم في طلب ما قص عنهم من آية وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء: ٩٠] الآية، بأن الإتيان بذلك مردّه مشيئة الله تعالى وإرادته به. وقد شاء أن تكون الآية العظمى تنزيله، الأكبر من كل آية، والأعظم من كل خارقة. فهو خير الآيات وأحسنها وأقوم المعجزات وأمتنها. كما قال تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة: ١٠٦] ، وقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ [العنكبوت: ٥١] ، فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ أي عند عدم الإيمان بالآية المقترحة، بعد إتيانها قُضِيَ بِالْحَقِّ أي من المؤاخذة، بعد تقرير الحجة المقترحة لهم وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ أي في دعواهم الشريك، وافترائهم الكذب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]
اللَّهُ أي الذي لا تصلح الألوهية إلا له الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ أي مسخرة لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ من الجلود والأوبار والأصواف وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ أي بالمسافرة عليها وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ أي في طريق البحر تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آياتِهِ أي دلائله الدالة على فرط رحمته وكمال قدرته فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ أي من الحصون والقصور والمباني والعدد والعدد فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أي مما لا يدفع به العذاب الأرضيّ ولا السماويّ.