الأول: ذهب المعتزلة إلى أن الإرادة مدلول الأمر، ولازمة له، والفحشاء- أعني الشرور والمعاصي- غير مأمور بها بنص الآية. فلا تكون مرادة له تعالى.
وأجاب أهل السنة بأن الأمر قد ينفك عن الإرادة، بمعنى أنه يوجد بدون الإرادة، فلا تكون الإرادة تابعة له وجودا، ومما يوضح أن الشيء قد يؤمر به ولا يكون مرادا، أن السيد إذا أراد أن يظهر على الحاضرين عصيان عبده، يأمره بالشيء ولا يريده منه. ومنها أن الأمر أمران: أمر تكويني يحصل به وجود الأشياء، وهو خطاب (كن) وهو تابع للإرادة، ويعم جميع الكائنات. فالطاعات والمعاصي كلها مأمورة ومرادة بهذا الأمر، ولا يتعلق بهذا الأمر الطاعة والعصيان والثواب والعقاب. لأنه يتعلق بالأشياء حال العدم.
وأمر تشريعيّ تدوينيّ: أي شرعه الله لعباده، وكلفهم به، مما دون في كتب الشريعة وبيّن، وهذا الأمر يتعلق به الطاعة والعصيان والثواب والعقاب والرضا والسخط. والكفر والمعاصي ليست مأمورة بهذا الأمر. والمعتزلة لم يفرقوا بين الأمرين، وقالوا: إن الكفر والمعاصي لو كانت مراده تعالى، لكانت مأمورا بها، وإتيان المأمور به طاعة، فيكون الكافر والفاسق مطيعين، فإنهما مأمور بهما بالأمر الأول، وليس مأمورا بهما بالأمر الثاني، حتى يكون إتيانهما طاعة.
قال السيلكوتيّ: ولا يخفى عليك أن تقسيم الأمر إلى أمرين، إنما يستقيم إذا كان قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] على ظاهره، كما ذهب إليه البعض. وأما إذا كان عبارة عن الإيجاد من غير أن يتعلق بها خطاب، كما ذهب إليه الأشعريّ ومن تبعه، فلا. انتهى- والمسألة مبسوطة في محالها المعروفة.
الثاني: قوله تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ جواب عن شبهتهم الثانية.
ولم يذكر جوابا عن الأولى. قال الإمام: لأنها إشارة إلى محض التقليد. وقد تقرر في المعقول أنه طريقة فاسدة، لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة. فلو كان التقليد حقّا، لزم القول بحقية الأديان المتناقضة. فلما كان فساده ظاهرا، لم يذكره تعالى.
الثالث: قال في (فتح البيان) : في هذه الآية الشريفة أعظم زاجر، وأبلغ واعظ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر، لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى