للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس لمجرد كونه كذبا، بل لتضمنه لابتهاجهم بقتل النبيّ عليه السلام والاستهزاء به. فإن وصفهم له عليه السلام بعنوان الرسالة إنما هو بطريق التهكم به عليه السلام.

كما في قوله تعالى: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [الحجر: ٦] . ولإنبائه عن ذكرهم له عليه السلام بالوجه القبيح، على ما قيل من أن ذلك وضع للذكر الجميل من جهته تعالى، مكان ذكرهم القبيح. وقيل: هو نعت له عليه الصلاة والسلام من جهته تعالى. مدحا له، ورفعا لمحله، وإظهارا لغاية جراءتهم، في تصديهم لقتله، ونهاية وقاحتهم في افتخارهم بذلك.

[لطيفة:]

قال الراغب: سمي عيسى بالمسيح لأنه مسحت عنه القوة الذميمة، من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة. كما أن الدجال مسحت عنه القوة المحمودة من العلم والعقل والحلم والأخلاق الحميدة. وقال شمر: لأنه مسح بالبركة. وهو قوله تعالى: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ [مريم: ٣١] . أو لأن الله مسح عنه الذنوب.

وذكر المجد في كتابه (البصائر) في اشتقاقه ستة وخمسين قولا. وتطرّق شارح القاموس لبعضها. فانظره وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أي: لا يصح لهم الفخر بقتله. لأنهم ما قتلوه. ولا متمسك لهم فيما يزعمونه من صلبهم إياه. لأنهم ما صلبوه ولكن قتلوا وصلبوا من ألقى عليه شبهه وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أي: في شأن عيسى لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي: من قتله. وسنبينه بعد ما لَهُمْ بِهِ أي: بقتله مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع. أي: لكن يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً أي: قتلا يقينا بمعنى متيقنين أنه عيسى عليه السلام، بل فعلوه شاكّين فيه. أو المعنى: انتفى قتله انتفاء يقينا بمعنى انتفائه على سبيل القطع.

قال البرهان البقاعي: وهو أولى لقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ١٥٨]]

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨)

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ردّ وإنكار لقتله. وإثبات لرفعه. أي: اليقين إنما هو في رفعه إليه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً أي: لا يبعد رفعه على الله. لأنه عزيز لا يغلب على ما يريده. وحكيم اقتضت حكمته رفعه. فلا بد أن يرفعه. وهي حفظه لتقوية دين محمد صلى الله عليه وسلم، حين انتهائه إلى غاية الضعف بظهور الدجال، فيقتله. أفاده المهايميّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>