قالت عائشة «١» : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن
. أي كما هو في القرآن.
قال الرازي: وهذا كالتفسير لقوله بِنِعْمَةِ رَبِّكَ والدلالة القاطعة على براءته مما رمى به، لأن الأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والفصاحة التامة، والعقل الكامل، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة، كانت ظاهرة منه. وإذا كانت ظاهرة محسوسة فوجودها ينافي حصول الجنون. فكذب من أضافه إليه وضل، بل هو الأحرى بأن يرمى بما قذف به.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (٦٨) : الآيات ٥ الى ٧]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ أي أولئك الجاحدون المتفوهون بتلك العظيمة.
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أي المجنون. والباء مزيدة. أو الفتنة والفتون ذهابا، إلى أن المصدر يجيء على زنة المفعول والباء أصلية بمعنى (في) . أي: من كوشف بأسرار العلوم، وأوتي جوامع الكلم، أم من حجب عما في نفسه من آيات الله والعبر، وفتن بعبادة الصنم. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ أي: عن طريق الحق الذي أمر به، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي بمن اتبع الحق، وسلك سبيله، فسيجزي الفريقين.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القلم (٦٨) : الآيات ٨ الى ١٦]
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ أي بآيات الله، وما جاءهم من الحق.
قال الزمخشري: تهييج وإلهاب على معاصاتهم.
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ أي: ودوا لو تركن إلى آلهتهم، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيمالئونك- رواه ابن جرير عن مجاهد- ثم قال: أي: لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه:
(١) أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين، حديث رقم ١٣٩.