للصيرورة والعاقبة. أي فيصير، إن كان عالما، جاهلا. فيريكم من قدرته أنه كما قدر على نقله من العلم إلى الجهل، أنه قادر على إحيائه بعد إماتته.
قال في (العناية) : وكونه غير عالم بعد علمه، كناية عن النسيان. لأن الناسي يعلم الشيء ثم ينساه، فلا يعلم بعد ما علم. أو العلم بمعنى الإدراك والتعقل، والمعنى لا يترقى في إدراك عقله وفهمه لأن الشاب في الترقي. والشيخ في التوقف والنقصان.
وفي (الكشاف) : ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان. وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه، فلا يعلمه إن سئل عنه. وقيل لئلا يعقل بعد عقله الأول شيئا. وقيل لئلا يعلم زيادة علم على علمه الأول. و (شيئا) منصوب على المصدرية أو المفعولية. وجوز فيه التنازع بين (يعلم) و (علم) وكون مفعول (علم) محذوفا لقصد العموم. أي لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ أي: جعلكم متفاوتين فيه، فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا أي في الرزق، وهم الملاك بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ أي بمعطيهم إياه فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أي فيستووا مع عبيدهم في الرزق.
والآية مثل، ضرب للذين جعلوا له تعالى شركاء. أي أنتم لا تسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم. ولا تجعلونهم فيه شركاء. ولا ترضون ذلك لأنفسكم. فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي شركاء في الإلهية والتعظيم؟ كما قال في الأخرى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الروم: ٢٨] ، أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أي فيشركون معه غيره وهو المنعم عليهم. أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج البالغة بعد ما أنعم بها عليهم. فإنه لا نعمة على العالم أجل من إقامة الحجج وإيضاح السبل بإرسال الرسل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]