للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأظهروا معهم الموالاة باللسان دون القلب لدفعه، كما قال البخاريّ عن أبي الدرداء أنه قال «١» : إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وأصل تُقاةً وقية، ثم أبدلت الواو تاء، كتخمة وتهمة وقلبت الياء ألفا. وفي المحكم: تقاة يجوز أن يكون مصدرا وأن يكون جمعا، والمصدر أجود، لأن في القراءة الأخرى: تقية.

[تنبيه:]

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة تحريم موالاة الكفار، لأن الله تعالى نهى عنها بقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، ثم استثنى تعالى (التقية) فرخص في موالاتهم لأجلها. فتجوز معاشرة ظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة لهم والبغضاء وانتظار زوال المانع. وقد قال الحاكم: في الآية دلالة على جواز إظهار تعظيم الظلمة، اتقاء لشرهم. قال: وإنما يحسن بالمعاريض التي ليست بكذب، وقال الصادق: التقية واجبة، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستتر عنه بالسارية لئلا يراني. وعن الحسن: تقية باللسان، والقلب مطمئن بالإيمان.

واعلم أن الموالاة، التي هي المباطنة والمشاورة وإفضاء الأسرار للكفار، لا تجوز، فإن قيل: قد جوز كثير من العلماء نكاح الكافرة، وفي ذلك من الخلطة والمباطنة بالمرأة ما ليس بخاف، فجواب ذلك: أن المراد موالاتهم في أمر الدين، وفيما فيه تعظيم لهم. فإن قيل. في سبب نزول الآية أنه صلّى الله عليه وسلم منع عبادة بن الصامت عن الاستعانة باليهود على قريش، وقد حالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهود على حرب قريش، وفي هذا دلالة على جواز الاستعانة بهم، وقد ذكر الراضي بالله أنه يجوز الاستعانة بالفسّاق على حرب المبطلين. قال: وقد حالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهود على حرب قريش وغيرها إلى أن نقضوه يوم الأحزاب. وحدّ صلّى الله عليه وسلم الحلف بينه وبين خزاعة.

قال الراضي بالله: وهو ظاهر عن آبائنا عليهم السلام، وقد استعان عليّ عليه السلام بقتلة عثمان. ولعل الجواب- والله أعلم- أن الاستعانة جائزة مع الحاجة إليها.

ويحمل على هذا استعانة الرسول صلّى الله عليه وسلم لليهود. وممنوعة مع عدم الحاجة، أو خشية مضرة منهم. وعليه يحمل حديث عبادة بن الصامت. فصارت الموالاة المحظورة


(١) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٨٢- باب المداراة مع الناس ونصه: ويذكر عن أبي الدرداء: إنا لنكشر في وجوه قوم، وإن قلوبنا لتلعنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>