للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي بالطريق المنكر من الرّشا في الأحكام والتخفيف والمسامحة في الشرائع وغير ذلك. و (الأكل) مجاز عن الأخذ، بعلاقة العلّية والمعلولية: لأنه الغرض الأعظم منه. وفيه من التقبيح لحالهم، وتنفير السامعين عنه ما لا يخفى وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن دين الإسلام وحكمه، واتباع الدلائل، إلى ما يهوون. أو عن المسلك المقرر في التوراة والإنجيل، إلى ما افتروه وحرفوه.

ثم أشار إلى أن سبب ذلك هو إيثارهم حب المال وكنزه على أمر الله، وتناسيهم وعيده في الكنز بقوله سبحانه وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أي يحفظونهما حفظ المدفون في الأرض وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي الذي هو الزكاة فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ٣٥]]

يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)

يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي يوقد عليها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ أي ويقال لهم ضمّا إلى ما هم فيه، هذا ما كنزتم لِأَنْفُسِكُمْ أي لتتلذذوا به، فكان سبب تعذيبها فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي وباله، وهو ألمه وشدته بالكي.

[وفي هذه الآية فوائد:]

الأولى: قال بعضهم في قوله تعالى لَيَأْكُلُونَ دلالة على تحريم الرشا على الباطل،

وقد ورد «١»

(لعن الله الراشي والمرتشي) .

وكذا تحريم أخذ العوض على فعل الواجب. وفي جواز الدفع ليتوصل إلى حقه خلاف. رجح الجواز ليتوصل إلى الحق، كالاستفداء. قال الحاكم يدخل في تحريم الرشا الأحكام والشهادات والفتاوى وأصول الدين وفروعه، وكل من حرّف شيئا لغرض الدنيا. انتهى.

الثانية- في الآية- كما قال ابن كثير- تحذير من علماء السوء وعبّاد الضلال، كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود،


(١) أخرجه الترمذيّ في: الأحكام، ٩- باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>