للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية ابن أبي حاتم هذه فائدة جليلة: وهي أن قول الصحابي نزلت هذه السورة، بمعنى قرئت في الحادثة، كما بيّنته الرواية قبله. والروايات يفسر بعضها بعضا. وقد نبهنا على ذلك مرارا.

الثالث- في (الإكليل) في قوله: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ: استحباب قيام المجاهدين في القتال صفوفا كصفوف الصلاة. وأنه يستحب سد الفرج والخلل في الصفوف، وإتمام صف الأول فالأول، وتسوية الصفوف قدما بقدم، لا يتقدم بعض على بعض فيها.

قال ابن أبي الفرس: واستدل بها بعضهم على أن قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان. لأن التراصّ إنما يمكن منهم. قال: وهو ممنوع. انتهى.

وفي التشبيه وجهان آخران:

أحدهما- أن يكون المراد الثبات ورسوخ الأقدام في الموقف، تنبيها على أن المتزلزل القدم، والمضطرب في الموقف- دع من يعزم على الفرار- ممن يمقته الله تعالى، ولا تناله محبته.

ثانيهما- أن يكون المعنى به اجتماع الكلمة، والاتفاق على تسوية الشأن مع العدو، حتى يكونوا في الاتحاد وموالاة بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص. وقد أشار لهذين الوجهين الرازيّ. وهما أقرب من الأول، لتقويتهما لمعنى طليعة السورة، من الثبات على الوعد والوفاء به، والعتب على من يخلف فيه، كما تقدم.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الصف (٦١) : آية ٥]]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥)

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ أي لم توصلون إليّ الأذى بالمخالفة والعصيان لما آمركم به، وأنتم تعلمون علم اليقين صدقي فيما جئتكم به من الرسالة، لما شاهدتم من الآيات البينات؟ ومقتضى علمكم ذلك، تعظيمي وإطاعتي، لأن من عرف الله وعظمته، عظّم رسوله، لأن تعظيمه في تعظيم رسوله.

قال ابن كثير: وفي هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفار من قومه

<<  <  ج: ص:  >  >>