ورسوله. شبهت في شدة غليانها، وقوة تأثيرها في أهلها، بإنسان شديد الغيظ على غيره، مبالغ في إيصال الضرر إليه، فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية، وهي الغضب الباعث على ذلك. واستعير لتلك الحالة المتوهمة الغيظ- كما في شرح المفتاح الشريفي- وأما ثبوت الغيظ الحقيقيّ لها، بخلق الله فيها إدراكا، فبحث آخر. لكنه قد قيل هنا: إنه لا حاجة إلى ادعاء التجوز فيه، لأن (تكاد) تأباه، كما في قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ [النور: ٣٥] ، وقد صرح به علماء المعاني في بحث المبالغة والغلوّ. وجوز أن يراد غيظ الزبانية. فالإسناد مجازيّ، أو على تقدير مضاف- كما في (العناية) -.
كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي: جماعة من الكفرة سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي: في الدنيا ينذركم هذا العذاب.
قال في (الإكليل) : استدل به على أنه لا تكليف قبل البعثة.
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ أي: فكذبنا الرسل، وأفرطنا في التكذيب، حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا، وبالغنا في نسبتهم إلى الضلال.
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ أي: من النّذر ما جاءت به، سماع طالب الحق، وعقل من نبذ الهوى ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ أي: في عداد أهل النار.
[تنبيهان:]
الأول- قال الناصر: لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلا على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
الثاني- قال ابن السمعانيّ في (القواطع) : استدل به من قال بتحكيم العقل.
وقال الزمخشريّ: قيل إنما جمع بين السمع والعقل، لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أي: فأقروا بجحدهم الحق، وتكذيبهم الرسل، فبعدا لهم، اعترفوا أو أنكروا، فإن ذلك لا ينفعهم.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الملك (٦٧) : آية ١٢]]