للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال «١» : يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ فكلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ-

انتهى-.

[لطيفة:]

قال الزمخشريّ: الضمير في: منها. للحفرة أو للنار أو للشّفا، وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة، وهو منها كما قال:

كما شرقت صدر القناة من الدم- انتهى- وقال أبو حيان: لا يحسن عوده إلا إلى الشفا، لأنه المحدّث عنه- انتهى-.

وفي الانتصاف: يجوز عود الضمير إلى الحفرة، فلا يحتاج إلى تأويله المذكور، كما تقول: أكرمت غلام هند، وأحسنت إليها، والمعنى على عوده إلى الحفرة أتم، لأنها التي يمتنّ بالانقاذ منها حقيقة، وأما الامتنان بالانقاذ من الشفا، فلما يستلزمه الكون على الشفا غالبا من الهويّ إلى الحفرة، فيكون الإنقاذ من الشفا إنقاذا من الحفرة التي يتوقع الهويّ فيها. فإضافة المنة إلى الإنقاذ من الحفرة تكون أبلغ وأوقع. مع أنّ اكتساب التأنيث من المضاف إليه قد عده أبو عليّ في (التعاليق) من ضرورة الشعر، خلاف رأيه في (الإيضاح) - نقله ابن يسعون- وما حمل الزمخشريّ على إعادة الضمير إلى الشفا إلا أنه هو الذي كانوا عليه، ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالانقاذ منها. وقد بينا في أدراج هذا الكلام ما يسوغ الامتنان عليهم بالانقاذ من الحفرة، لأنهم كانوا صائرين إليها غالبا، لولا


(١)
أخرجه البخاريّ في: المغازي، ٥٦- باب عزوة الطائف في شوال سنة ثمان، حديث ١٩٣١ ونصه:
عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم، يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا. فكأنهم وجدوا، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس. فخطبهم فقال: «يا معشر الأنصار: ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟
وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال «ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟» قال كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال «لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا.
أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبيّ صلّى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار. ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها. الأنصار شعار والناس دثار. إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» .
وأخرجه مسلم في: الزكاة، حديث ١٣٩
.

<<  <  ج: ص:  >  >>