ولهذا أباح نكاح الإماء بشروطه. ونظير هذا قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: ١٨٥] . وقوله: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨] . وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً أي عاجزا عن دفع دواعي شهواته. فناسبه التخفيف لضعف عزمه وهمته وضعفه في نفسه. فالجملة اعتراض تذييليّ مسوق لتقرير ما قبله من التخفيف في أحكام الشرع.
وفي (الإكليل) : قال طاوس: ضعيفا أي في أمر الناس لا يصبر عنهن. وقال وكيع: يذهب عقله عندهن. أخرجهما ابن أبي حاتم. ففيه أصل لما يذكره الأطباء من منافع الجماع ومن مضارّ تركه.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٢٩]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بِالْباطِلِ أي ما لم تبحه الشريعة كالربا والقمار والرشوة، والغصب والسرقة والخيانة، وما جرى مجرى ذلك من صنوف الحيل إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً أي معاوضة محضة كالبيع عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ في المحاباة من جانب الآخذ والمأخوذ منه. وقرئ (تجارة) بالرفع على أن (كان) تامة، وبالنصب على أنها ناقصة. والتقدير: إلا أن تكون المعاملة أو التجارة أو الأموال، تجارة.
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية تحريم أكل المال الباطل بغير وجه شرعيّ. وإباحة التجارة والربح فيها. وأن شرطها التراضي. ومن هاهنا أخذ الشافعيّ رحمه الله اعتبار الإيجاب والقبول لفظا. لأن التراضي أمر قلبيّ فلا بد من دليل عليه.
وقد يستدل بها من لم يشترطهما إذا حصل الرضا. انتهى.
أي لأن الأقوال، كما تدل على التراضي، فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا. فصح بيع المعاطاة مطلقا.
وفي (الروضة الندية) : حقيقة التراضي لا يعلمها إلا الله تعالى: والمراد هاهنا أمارته. كالإيجاب والقبول، وكالتعاطي عند القائل به، وعلى هذا أهل العلم. لكونه لم يرد ما يدل على ما اعتبره بعضهم من ألفاظ مخصوصة، وأنه لا يجوز البيع بغيرها. ولا يفيدهم ما ورد في الروايات من نحو:(بعت منك وبعتك) فإنا لا ننكر