إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ تعليل لما فصّل من فنون إحسانه تعالى، المتعلقة بالأنبياء المذكورين، أي كانوا يبادرون في كل باب من الخير. وإيثار (في) على (إلى) للإشارة إلى ثباتهم واستقرارهم في أصل الخير. لأن (إلى) تدل على الخروج عن الشيء والتوجه إليه وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً أي ذوي رغب ورهب، أو راغبين في الثواب راجين للإجابة وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ أي مخبتين متضرعين. وقوله تعالى:
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أي اذكر نبأ التي أحصنته إحصانا كليا، عن الحلال والحرام جميعا. كما قالت: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمران: ٤٧] و [مريم:
٢٠] . والتعبير عنها بالموصول، لتفخيم شأنها، وتنزيهها عما زعموه في حقها، بادئ بدء فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا أي نفخنا الروح في عيسى فيها. أي أحييناه في جوفها.
فنزّل نفخ الروح في عيسى، لكونه في جوف مريم، منزلة نفخ الروح فيها. ونفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه. وقيل: المعنى فعلنا النفخ فيها من جهة روحنا جبريل عليه السلام، أي أمرناه فنفخ. أو فنفخنا فيها بعض روحنا، أي بعض الأرواح المخلوقة لنا. وذلك البعض هو روح عيسى، لأنها وصلت في الهواء الذي نفخه في رحمها وَجَعَلْناها وَابْنَها أي نبأهما آيَةً لِلْعالَمِينَ أي في كمال قدرته واختصاصه من شاء بما شاء. وقد كان من آيتهما إتيان الرزق لمريم في غير أوانه.
قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل (ءايتين) كما قال: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ [الإسراء: ١٢] ؟ قلت: لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة. وهي ولادتها إياه من غير فحل. انتهى. وقيل: المعنى (وجعلناها آية وابنها آية) .
فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها. ولما أنهى ما ذكر تعالى من شأن جماعة من الأنبياء صلوات الله عليهم، أشار إلى أن عقائدهم وأصول دينهم واحدة، بقوله سبحانه وتعالى: