للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣)

كهيعص سلف في أول سورة البقرة الكلام على هذه الأحرف، المبتدأ بها.

وأولى الأقوال بالصواب أنها أسماء للسورة المبتدأ بها. وكونها خبر مبتدأ محذوف.

أي: هذا كهيعص أي مسمى به، وقوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا مبتدأ خبره محذوف. أي فيما يتلى عليك. أو خبر محذوف. أي هذا المتلوّ ذكرها.

و (زكريا) والد يحيى عليهما السلام. بدل من (عبده) أو عطف بيان له. قال المهايميّ: أي ذكر الله لنا ما رحم به زكريا عليه السلام بمقتضى كمال ربوبيته.

فأعطاه ولدا كاملا في باب النبوة. فبشره بنفسه تارة وبملائكته أخرى. وتولى تسميته ولم يشرك فيها من تقدمه. وذكرها لنا كبير هبة لنا، في تعريف مقام النبوة، وقدرة الله وعنايته بصفوته. إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ظرف ل (رحمة) أو بدل اشتمال من (زكريا) والنداء في الأصل رفع الصوت وظهوره. والمراد به الدعاء. وقد راعى أدب الدعاء، وهو إخفاؤه، لكونه أبعد عن الرياء، وأدخل في الإخلاص. ثم فسر الدعاء بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٤]]

قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤)

قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي أي ضعف. قال الزمخشريّ: وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن. وبه قوامه، وهو أصل بنائه. فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته. ولأنه أشد ما فيه وأصلبه. فإذا وهن كان ما وراءه أوهن. ووحّده، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، المنبئة عن شمول الوهن بكل فرد من أفراده. وقرئ (وهن) بكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>