للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها بعد الأمر بالزاد للسفر في الدنيا، كما قال تعالى وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: ٢٦] ، لما ذكر اللباس الحسيّ نبّه مرشدا إلى اللباس المعنويّ وهو الخشوع والطاعة، وذكر أنّه خير من هذا وأنفع.

وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: اتقوا عقابي وعذابي في مخالفتي وعصياني يا ذوي العقول والأفهام! فإنّ قضية اللبّ تقوى الله، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لبّ له..! كما قال تعالى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف: ١٧٩] !.

وقد قرئ بإثبات الياء في اتَّقُونِ على الأصل، وبحذفها للتخفيف ودلالة الكسرة عليه.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٩٨]]

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ قال الراغب: كانت العرب تتحاشى من التجارة في الحجّ، حتى إنّهم كانوا يتجنبون المبايعة إذا دخل العشر، وحتى سمّوا من تولّى متجرا في الحجّ: الداج دون الحاج فأباح الله ذلك وعلى إباحة ذلك، دلّ قوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ... - إلى قوله- لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج: ٢٧] وقوله: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: ٢٠] .

وقد روى البخاريّ «١» عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك حتى نزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحجّ.

ففي الآية الترخيص لمن حجّ في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق- وهو المراد بالفضل هنا- ومنه قوله تعالى: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: ١٠] . أي: لا إثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم


(١) أخرجه البخاري في: الحج، ١٥٠- باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية، حديث ٩٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>