إليها بعد الأمر بالزاد للسفر في الدنيا، كما قال تعالى وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: ٢٦] ، لما ذكر اللباس الحسيّ نبّه مرشدا إلى اللباس المعنويّ وهو الخشوع والطاعة، وذكر أنّه خير من هذا وأنفع.
وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: اتقوا عقابي وعذابي في مخالفتي وعصياني يا ذوي العقول والأفهام! فإنّ قضية اللبّ تقوى الله، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لبّ له..! كما قال تعالى: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الأعراف: ١٧٩] !.
وقد قرئ بإثبات الياء في اتَّقُونِ على الأصل، وبحذفها للتخفيف ودلالة الكسرة عليه.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ قال الراغب: كانت العرب تتحاشى من التجارة في الحجّ، حتى إنّهم كانوا يتجنبون المبايعة إذا دخل العشر، وحتى سمّوا من تولّى متجرا في الحجّ: الداج دون الحاج فأباح الله ذلك وعلى إباحة ذلك، دلّ قوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ... - إلى قوله- لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج: ٢٧] وقوله: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: ٢٠] .
وقد روى البخاريّ «١» عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنّهم كرهوا ذلك حتى نزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ في مواسم الحجّ.
ففي الآية الترخيص لمن حجّ في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق- وهو المراد بالفضل هنا- ومنه قوله تعالى: فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: ١٠] . أي: لا إثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم
(١) أخرجه البخاري في: الحج، ١٥٠- باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية، حديث ٩٠٤.