للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل إشكال يورد عليك من داخل وخارج. وقد أرانا الله سبحانه، بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك. أنموذجا في الدنيا من حال النائم. فإن ما ينعم به، أو يعذب في نومه، يجري على روحه أصلا، والبدن تبع له. وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرا مشاهدا، فيرى النائم أنه في نومه ضرب، فيصبح وآثار الضرب في جسمه. ويرى أنه قد أكل وشرب، فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب فيه. ويذهب عنه الجوع والظمأ. وأعجب من ذلك أنك ترى النائم، ثم يقوم من نومه، ويضرب ويبطش ويدافع، كأنه يقظان، وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك. لأن الحكم، لما جرى على الروح، استعانت بالبدن من خارجه. ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحسّ. فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم، ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع، فهكذا في البرزخ، بل أعظم. فإن تجرد الروح هناك أكمل وأقوى، وهي متعلقة ببدنها، لم تنقطع عنه كل الانقطاع. فإذا كان يوم حشر الأجساد، وقيام الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرا باديا. ومتى أعطيت هذا الموضع حقه تبيّن لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه، وضيقه وسعته، وضمه، وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة- مطابق للعقل. وأنه حق لا مرية فيه. وأن من أشكل عليه ذلك، فمن سوء فهمه، وقلة علمه. انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥٥ الى ١٥٦]

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦)

وقوله تعالى:

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ خطاب لمن آمن مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، خصّوا به، وإن شمل من ماثلهم، لأنهم المباشرون للدعوة والجهاد، ومكافحة الفجّار. وكل قائم بحق، وداع إليه، معرّض للابتلاء بما ذكر، كله أو بعضه. والتنوين للتقليل. أي: بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه، وإنما قلّل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان، وإن جل، ففوقه ما يقل إليه. وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم. وإنما أخبر به قبل الوقوع، ليوطّنوا عليه نفوسهم، ويزداد يقينهم، عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به. وليعلموا أنه شيء يسير، له عاقبة حميدة مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>