تعالى إلى بعض دلائل التوحيد، وما فيها من النعم العظمى الجديرة بأن تتلقى بالشكر لا بالكفر، كحال هؤلاء الكفرة بقوله سبحانه:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : آية ٤٥]]
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥)
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ أي عجيب صنعه أن جعله يمتد وينبسط فينتفع به الناس وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي ثابتا على حاله، من الطول والامتداد. من (السكنى) أو غير متقلص من (السكون) بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد فلم ينتفع به أحد ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا أي علامة يستدل بأحوالها في مسيرها على أحوال الظل، من كونه ثابتا في مكان، زائلا ومتسعا ومتقلصا. فيبنون حاجتهم إلى الظل واستغناءهم عنه، على حسب ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)
ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا أي أزلناه بعد ما أنشأناه ممتدا، ومحوناه بمحض قدرتنا ومشيئتنا عند إيقاع شعاع الشمس موقعه قَبْضاً يَسِيراً أي على مهل، قليلا قليلا حسب ارتفاع دليله على وتيرة معينة مطردة مستتبعة لمصالح المخلوقات ومرافقها.
وفي هذا القبض اليسير، شيئا بعد شيء، من المنافع ما لا يعدّ ولا يحصر. ولو قبض دفعة واحدة، لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً أي ساترا كاللباس وَالنَّوْمَ سُباتاً أي راحة للأبدان تستعيض به ما خسرته من قواها وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً أي زمان انتشار لطلب المعاش.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً أي ناشرات للسحاب وفي قراءة (بشرا) بضم الموحدة بدل النون وسكون الشين، أي مبشرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر.
وهي استعارة بديعة. استعيرت الرحمة للمطر ثم رشحت. كقوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ