كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق، والدعوة إلى الخير، وكُنْتُمْ من (كان) التامة، والمعنى وجدتم وخلقتم خير أمة، أو (الناقصة) والمعنى كنتم في علم الله خير أمة، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة وأُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ صفة لأمة، واللام متعلقة ب أُخْرِجَتْ أي أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت، وفصل بينها وبين غيرها. ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم: كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: ٧٩] . وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء:
١٥٠] . قال أبو السعود: وتؤمنون بالله أي إيمانا متعلقا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء. وإنما لم يصرح به تفصيلا لظهور أنه الذي يؤمن به المؤمنون، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى في شيء. قال تعالى:
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا [النساء: ١٥٠- ١٥١] وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تقدمه عليهما وجودا ورتبة، لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن به ما بعده- انتهى- روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس رعة، فقرأ هذه الآية كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها. ونظير هذه الآية قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، أي خيارا، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] ، أي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد روي في معنى الآية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وافرة، منها ما