[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : آية ١٢]]
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً أي بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات، كقوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: ١١] ، قال الشهاب: وهذا من بديع الكلام. وقد وقع في القرآن كثيرا. وهو بحسب الظاهر يقتضي أن. كل واحد يظن بنفسه خيرا، وليس بمراد. بل أن يظن بغيره ذلك.
وتوجيهه أنه مجاز لجعله اتحاد الجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: ٢٩] ، ب (لا تقتلوا من كان من جنسكم) أو يجعلهم كنفس واحدة، فمن عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه، ويجوز أن يقدر فيه مضاف. أي: ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر. وقال الكرماني
في حديث (أموالكم عليكم حرام)
إنه كقولهم (بنو فلان قتلوا أنفسهم) أي قتل بعضهم بعضا، مجازا أو إضمارا للقرينة الصارفة عن ظاهره. و (لولا) تحضيضية بمعنى (هلا) وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ أي هذا الذي سمعناه، من رمي أم المؤمنين، إفك مبين جلّي لمن عقل وفكر فيه. قال العلامة الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل (لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم) ؟ ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة؟ وعن الضمير إلى الظاهر؟
قلت: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات. وليصرح بلفظ (الإيمان) دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق مؤمن على أخيه، ولا مؤمنة على أختها، قول عائب ولا طاعن. وفيه تنبيه على أن حق المؤمن، إذا سمع قالة في أخيه، أن يبني الأمر فيها على الظن، لا على الشك. وأن يقول بملء فيه- بناء على ظنه بالمؤمن الخير-:
هذا إِفْكٌ مُبِينٌ. هكذا باللفظ المصرح ببراءة ساحته. كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال. وهذا يدل من الأدب الحسن الذي قلّ القائم به والحافظ له.
وليتك تجد من يسمع فيسكت، ولا يشيع ما سمعه بأخوات! انتهى. وقوله تعالى:
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : آية ١٣]]
لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣)
لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ أي في حكمه وشريعته المؤسسة على الدلائل الظاهرة المستيقنة هُمُ الْكاذِبُونَ أي