أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا أي ملكتنا شِقْوَتُنا أي التي اقترفناها بسوء اختيارنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ أي عن الحق، ولذلك فعلنا ما فعلنا من التكذيب، قال أبو السعود: وهذا، كما ترى، اعتراف منهم، بأن ما أصابهم قد أصابهم بسوء صنيعهم، وأما ما قيل من أنه اعتذار منهم بغلبة ما كتب عليهم من الشقاوة الأزلية، فمع أنه باطل في نفسه، لما أنه لا يكتب عليهم من السعادة والشقاوة إلا ما علم الله تعالى أنهم يفعلونه باختيارهم، ضرورة أن العلم تابع للمعلوم- يردّه قوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]
رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ أي أخرجنا من النار، وارجعنا إلى الدنيا. فإن عدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه من الكفر والمعاصي، فإنا متجاوزون الحدّ في الظلم. ولو كان اعتقادهم أنهم مجبورون على ما صدر عنهم، لما سألوا الرجعة إلى الدنيا، ولما وعدوا الإيمان والطاعة قالَ اخْسَؤُا فِيها أي ذلوا فيها كخسء الكلاب وَلا تُكَلِّمُونِ أي في رفع العذاب، فإنه لا يرفع ولا يخفف. ثم أشار إلى علة ذلك بقوله تعالى إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي وهم المؤمنون يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ أي بتشاغلكم بهم على تلك الصفة ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ.
ثم أشار تعالى لبيان حسن حالهم، وأنهم انتفعوا بما آذوهم، بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١١ الى ١١٤]