للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يجوز أن يكون تفسيرا لهذه الآية فقال: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً [الإسراء: ٤- ٦] فهذا في معنى (فعموا وصموّا) ثم قال: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. فهذا في معنى قوله ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ انتهى. ثم بيّن تعالى كفر النصارى وما هم عليه من فساد الاعتقاد المباين لأصل دعوة عيسى عليه السلام، من التوحيد الخالص، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المائدة (٥) : آية ٧٢]]

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢)

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ.

قال الرازيّ: هذا قول اليعقوبية منهم. يقولون: إن مريم ولدت إلها. قال: ولعلّ معنى هذا المذهب أنهم يقولون: إن الله تعالى حلّ في ذات عيسى واتّحد بها، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وقد سبق الكلام على مثل هذا الآية في هذه السورة مفصّلا، فتذكّر.

ثم بيّن تعالى أنهم صمّوا عن مقالات عيسى الداعية إلى التوحيد، كما عموا عما فيه من أمارات الحدوث، بقوله سبحانه: وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ ولم يقل اعبدوني. ثم صرّح بقوله: رَبِّي وَرَبَّكُمْ قلعا لمادة توهم الاتحاد إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ كيف والشرك أعظم وجوه الظلم وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أي: ما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة. والجمع لمراعاة المقابلة ب (الظالمين) و (اللام) إما للعهد، والجمع باعتبار معنى مَنْ، كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها. وما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليّا. ووضعه على الأول موضع الضمير، للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحقّ. والجملة تذييل مقرّر لما قبله. وهو إمّا من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإمّا وارد من جهته تعالى،

<<  <  ج: ص:  >  >>