للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو المقصود من إزاحة العذر، وإزالة العلة، فكان المقصود حاصلا- كذا قرره الرازيّ-.

قال الحافظ ابن كثير: والدليل على أن الرسل من الإنس قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ... [النساء: ١٦٣] إلى قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: ١٦٥] . وقوله تعالى عن إبراهيم: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ [العنكبوت: ٢٧] فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته. ولم يقل أحد: إن النبوة كانت في الجن قبل إبراهيم، ثم انقطعت عنهم ببعثته. وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [لقمان: ٢٠] . وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف: ١٠٩] . ومعلوم أن الجن تتبع للإنس في هذا الباب. انتهى.

الثاني- إن قيل: ما السبب في أنهم أقروا في هذه الآية بالكفر، وجحدوه في قوله: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: ٢٣] ؟ قلنا: يوم القيامة يوم طويل، والأحوال فيه مختلفة، فتارة يقرّون، وأخرى يجحدون. وذلك يدل على شدة خوفهم، واضطراب أحوالهم، فإن من عظم خوفه، كثر الاضطراب في كلامه- أفاده الرازيّ.

زاد الزمخشري: أو أريد شهادة أيديهم وأرجلهم وجلودهم حين يختم على أفواههم.

الثالث- إن قيل: لم كرر ذكر شهادتهم على أنفسهم؟ أجيب: بأن الأولى حكاية لقولهم كيف يقولون ويعترفون والثانية ذم لهم، وتخطئة لرأيهم، ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم، وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا، واللذات الحاضرة، وكان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام لربهم واستيجاب عذابه. وإنما قال ذلك تحذيرا للسامعين من مثل حالهم- كذا في (الكشاف) -.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٣١]]

ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١)

وقوله تعالى ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ إعلام بأنه تعالى أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتبيين الآيات، وإلزام الحجة بالإنذار والتهديد. وأنه تعالى لا يؤاخذ القرى بظلم أهلها بالشرك ونحوه، وهم لا

<<  <  ج: ص:  >  >>