للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على تقوى وحذر، في كل حركة وسكون. أفاده الزمخشري.

[تنبيهات:]

الأول- قال السيوطي في (الإكليل) : في الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرحال وتحريم كشفها. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية: كل شيء في القرآن من (حفظ الفرج) فهو من الزنى، إلا هذه الآية والتي بعدها، فهو أن لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة. انتهى.

وليس بمتعيّن. وعليه فيكون النهي عن الزنى يعلم منه بطريق الأولى. أو الحفظ عن الإبداء يستلزم الحفظ عن الإفضاء.

الثاني- إن قيل: لم أتى ب (من) التبعيضية في غض الأبصار وقيدها به دون حفظ الفروج؟ مع أنه غير مطلق ومقيد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ [المؤمنون: ٥] ، لأن المستثنى في الحفظ هو الأزواج والسراري، وهو قليل بالنسبة لما عداه. فجعل كالعدم ولم يقيد به. مع أنه معلوم من الآية الأخرى. بخلاف ما يطلق فيه البصر، فإنه يباح في أكثر الأشياء، إلا نظر ما حرم عن قصد. فقيّد (الغض به) ومدخول (من) التبعيضية ينبغي أن يكون أقل من الباقي. وقيل: إن الغض والحفظ عن الأجانب. وبعض الغض ممنوع بالنسبة إليهم، وبعضه جائز. بخلاف الحفظ فلا وجه لدخول (من) فيه. كذا في (العناية) .

الثالث- سر تقديم غض الأبصار على حفظ الفروج، هو أن النظر بريد الزنى ورائد الفجور، كما قال الحماسي:

وكنت، إذا أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما، أتعبتك المناظر

ولأن البلوى فيه أشد وأكثر. ولا يكاد يقدر على الاحتراس منه. فبودر إلى منعه. ولأنه يتقدم الفجور في الواقع، فجعل النظم على وفقه.

الرابع- غض البصر من أجل الأدوية لعلاج أمراض القلوب. وفيه حسم لمادتها قبل حصولها. فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس. ومن أطلق لحظاته، دامت حسراته.

كلّ الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النّار من مستصغر الشّرر

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (الجواب الشافي) : في غض البصر عدة منافع:

<<  <  ج: ص:  >  >>