للمسيح عليه السلام من إخراج الشياطين والأرواح الخبيثة من المبتلين بذلك. وبعد أن ساق ذلك قال: وإنما كتبت هذا مع كون ما نقل عن نبيّنا صلّى الله عليه وسلم كافيا، لأنه لا يدفع أن يكون فيه إيناس له ومصادقة تزيد في الإيمان.
وقد أجاد بيان تسلط الأرواح الخبيثة الإمام شمس الدين ابن القيّم في (زاد المعاد) وذكر علاج دفعها فقال عليه الرحمة:
فصل في هديه صلّى الله عليه وسلم في علاج الصرع
أخرجا في الصحيحين «١» من حديث عطاء بن أبي رباح قال: «قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء. أتت النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع. وإني أتكشف. فادع الله لي. فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة. وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك. فقالت: أصبر. قالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها» .
قلت: الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الردية. والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الأرواح،.
فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه. ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة. فتدافع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه. فذكر بعض علاج الصرع وقال:
هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة. أما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج. وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع. وليس معهم إلا الجهل. وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك.
والحس والوجود شاهد به. وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها. وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع المرض الإلهيّ.
وقالوا: إنه من الأرواح، وأما جالينوس وغيره. فتأولوا عليهم هذه التسمية وقالوا: إنما سموها بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس فتضرّ بالجزء الإلهيّ الطاهر
(١) أخرجه البخاريّ في: المرضى، ٦- باب فضل من يصرع من الريح.