للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الراغب: واختلف إذا اضطر إلى ذلك في دواء لا يسدّ غيره مسدّه.

والصحيح أنه يجوز له تناوله للعلّة المذكورة، يعني: إبقاء روحه بجهة ما رآه أقرب إلى إبقائه، وهي التي أجيز تناوله ما ذكر له للجوع.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما أكله حال الضرورة رَحِيمٌ حيث رخّص لعباده في ذلك إبقاء عليهم.

ثم أعاد تعالى وعيد كاتمي أحكامه- إثر ما ذكره من الأحكام- تحذيرا لهذه الأمة أن يسلكوا سبيل من عنوا به، وهم أهل الكتاب، فقال سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ١٧٤]]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ أي: من حدوده وأحكامه وغير ذلك مما أشارت إليه الآية الأولى بالبيّنات والهدى وَيَشْتَرُونَ بِهِ أي: يأخذون بدله ثَمَناً قَلِيلًا أي مما يتمتعون به من لذات العاجلة. وقلّله لحقارته في نفسه.

ففيه إشعار بدناءة نفوسهم حيث رضيت بالقليل، أو بالنسبة لما فوّتوه على أنفسهم من نعيم الآخرة الذي لا يحاط بوصفه أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ أي ما يستتبع النار ويستلزمها، فكأنه عين النار، وأكله أكلها، وفِي بُطُونِهِمْ متعلق ب يَأْكُلُونَ وفائدته: تأكيد الأكل وتقريره ببيان مقرّ المأكول.

قال الراغب: أكل النار: تناول ما يؤدي إليها. وذكر الأكل لكونه المقصود الأول بتحصيل المال. وذكر فِي بُطُونِهِمْ تنبيها على شرههم وتقبيحا لتضييع أعظم النعم لأجل الطعم الذي هو أحسّ متناول من الدنيا..!

وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ قال الراغب: لم يعن نفي الكلام رأسا، فقد قال: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: ٦] ، وقال:

وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ [الكهف: ٥٢] . وإنما أراد كلاما يقتضي جدوى ولهذا قال الحسن: معناه يغضب عليهم تنبيها أنهم بخلاف من قال فيهم تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ. وقيل: حقيقة (كلّمته) حملته على الكلام، نحو حركته، لأنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>