للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكهف (١٨) : آية ٤٤]]

هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤)

هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ أي في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك. (الولاية) بفتح الواو، أي النصرة لله وحده، لا يقدر عليها أحد غيره.

فالجملة مقررة ومؤكدة لقوله: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ لأنها بمعناها. أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على المشركين وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم، كما نصر على الكافر صاحبه المؤمن، وصدّق قوله: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ويعضده قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أي لأوليائه. فلا ينقص لمؤمن درجة، في الدنيا، ولا يترك لكافر عقوبة لشرفه، بل يعاقبه بذنبه ويظهر فضل المؤمن عليه. وقرئ (الولاية) بكسر الواو بمعنى السلطان والملك. أي هنالك السلطان له والملك. لا يغلب ولا يمتنع منه. أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كلّ مضطر. يعني أن يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً [الكهف: ٤٢] ، كلمة ألجئ إليها فقالها، جزعا مما دهاه من شؤم كفره. ولولا ذلك لم يقلها. كقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [غافر: ٨٤] .

وكقوله إخبارا عن فرعون حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: ٩٠- ٩١] ، أو (هنالك) إشارة إلى الآخرة. أي في تلك الدار الولاية لله. كقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: ١٦] ويناسبه قوله: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً. و (هنالك) على الأوجه المتقدمة، خبر مقدم و (الولاية) مبتدأ مؤخر.

والوقف على (منتصرا) . وجوز بعضهم كون (هنالك) معمولا ل (منتصرا) وإن الوقف عليه. أي على (هنالك) وإن (الولاية لله) جملة من مبتدأ وخبر مستأنفة.

أي وما كان منتصرا في ذلك الوطن الذي حل به عذاب الله. فلم يكن منقذ له منه.

وأقول: هذا الثاني ركيك جدّا، مفكك لرؤوس الآي في السورة. فإنها قطعت كلها بالاسم المنصوب. وشبهة قائله جوازه عربية. وما كل جائز عربية رقيق الحواشي بلاغة. ولذلك لم يعول عليه الزمخشريّ ومن تابعه. و (الحق) قرئ بالرفع صفة (للولاية) وبالنصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>