لهم غاية الإذلال. وقال القاشانيّ: الآية في دعاء الحال. لأن الدعاء باللسان مع عدم العلم بأن المدعوّ به خير له أم لا، دعاء المحجوبين. وأما الدعاء الذي لا تتخلف عنه الاستجابة، فهو دعاء الحال بأن يهيئ العبد استعداده لقبول ما يطلبه. ولا تتخلف الاستجابة عن هذا الدعاء. كمن طلب المغفرة، فتاب إلى الله، وأناب بالزهد والطاعة. انتهى.
وتقدم في آية أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة: ١٨٦] ، فوائد تناسب هذا المقام، فلتراجع. ثم أشار تعالى إلى أنه كيف لا يلزم العباد عبادته، وقد أنعم عليهم بما يقتضي شكره بالعبادة، مما أجلاه منافع الليل والنهار، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي الله الذي لا تصلح الألوهية إلا له.
ولا تنبغي عبادة غيره، هو الذي جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه، فتستردوا بالراحة فيه، ما فاتكم من القوى في العمل بالنهار وَالنَّهارَ مُبْصِراً أي أن يبصر فيه أو به لتتحركوا لتحصيل الأكساب الدينية والدنيوية. فقد تفضل الله عليكم بهما وبما فيهما إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أي ليشكروه بعبادته وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي عن طاعته إلى إثبات الشريك وعبادته.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة غافر (٤٠) : آية ٦٣]]
كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٦٣)
كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أي من الأمم المتقدمة الهالكة.
أي فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم، وركبتم محجتهم في الضلال.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة غافر (٤٠) : آية ٦٤]]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤)