للقطع بوقوع المتوعد به. ولوقوعه معلقا بأمره تعالى ومشيئته بذلك، وهو المراد.
كما ينبئ عنه قوله تعالى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: ٣٧] : أي ما يأمر به، ويريد وقوعه. وإذا كان الوعيد منوطا بأمره سبحانه، فله أن يمضيه على حقيقته وله أن يصرفه لما هو أعلم به. إلا أن ورود نظم الآية بهذا الخطاب المتبادر في الوقوع غير المعلق، ليكون أدخل في الترهيب، ومزجرة عن مخالفة الأمر. هكذا ظهر لنا الآن.
وهو أقرب مما نحاه المفسرون هنا من أن العقاب منتظر، أو، أنه مشروط بعدم الإيمان. إلى غير ذلك. فقد زيفها جميعها العلامة أبو السعود. ثم اختار أن المراد من الوعيد الأخرويّ. قال: لأنه لم يتضح وقوعه. وهذا فيه بعد أيضا، لنبوّ مثل هذا الخطاب عن إرادة الوعيد الأخرويّ. لا سيما والجملة الثانية التي هددوا بها، أعني لعنهم كأصحاب السبت، كان عقابها دنيويّا. فالوجه ما قررناه. وما أشبه هذه الآية، في وعيديها، بآية يس. أعني قوله تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ [يس: ٦٦- ٦٧] . بل هذه عندي تفسير لتلك. والقرآن يفسر بعضه بعضا. فبرح الخفاء والحمد لله.
[لطيفة:]
الضمير في (نلعنهم) لأصحاب الوجوه. أو (للذين) على طريقة الالتفات أو (للوجوه) إن أريد بها الوجهاء.
[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النساء (٤) : آية ٤٨]]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قال أبو السعود: كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد، وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان، ببيان استحالة المغفرة بدونه. فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ويطمعون في المغفرة. كما في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ [الأعراف: ١٦٩] .
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى (أي على التحريف) وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا. والمراد بالشرك مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليّا. فإن الشرع قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة. وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار. ونزوله في حق اليهود،