محدث، فإن كان حادثا افتقر إلى قديم. وعلى التوحيد، فلأنّه لو كان لكلّ ريح إله لأمكن للكلّ أن يأتي بما له، فيلزم اجتماع الرياح المختلفة وهو مخلّ بالنظام. وعلى الرحمتين، فلأنها تحرك الفلك والسحب وتنمي الأشجار والثمار. وأما دلالة السحاب على وجود الإله، فلأنه لو كان ثقيلا لنزل، أو كان خفيفا لصعد، لكنه يصعد تارة وينزل أخرى فهو من الله تعالى وأما على التوحيد فلأن إله السحاب لو كان غير إله السحاب الآخر، لأمكن لكلّ واحد أن يجعل سحابه في مكان سحاب الآخر، فيلزم تداخل الأجسام أو العجز. وعلى الرحمتين فلأنّ منها الأمطار. وله وجوه أخر من الدلالات وفوائد غير محصورة، قنعنا بما ذكرنا.
قال القاضي عبد الجبار: الآية تدلّ على أمور: (أحدها) لو كان الحقّ يدرك بالتقليد، واتباع الآباء، والجري على الإلف والعادة، لما صحّ ذلك. و (ثانيها) لو كانت المعارف ضرورية وحاصلة بالإلهام لما صحّ وصف هذه الأمور بأنها آيات، لأن المعلوم بالضرورة لا يحتاج في معرفته إلى الآيات. و (ثالثها) أنّ سائر الأجسام والأعراض، وإن كانت تدلّ على الصانع، فهو تعالى خصّ هذه الثمانية بالذكر لأنها جامعة بين كونها دلائل وبين كونها نعما على المكلفين على أوفر حظّ ونصيب، ومتى كانت الدلائل كذلك كانت أنجع في القلوب وأشدّ تأثيرا في الخواطر. نقله الرازي.
ثم إنّ الله تعالى إنما أظهر هذه الآيات الدالة على وجوده، وتوحيده، ورحمته، ليخصّه الخلق بالمحبة والعبادة.
وَلكن مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً أي: أمثالا. مع أنّ الآيات منعت من أن يكون له ندّ واحد فضلا عن جماعتها يسوّون بينهم وبين الله إذ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أي: يعظمونهم ويخضعون لهم كتعظيم الله والخضوع له.
و (الأنداد) هي: إمّا الأوثان التي اتخذوها آلهة لتقربهم إلى الله زلفى، ورجوا منها النفع والضرّ، وقصدوها بالمسائل، ونذروا لها النذور وقرّبوا لها القرابين. وإمّا الرؤساء